Tuesday 23 March 2010

قهوة صباحيّة


لم أعد أصادف ناساً في الطريق

لا أصادف حتّى طرقات

بل مهناً فوق مهنٍ

رفوف اختصاصات صارت البنايات

مهناً مع الهويّة على الصدر.

في المقاهي لا كراسي للنَكِرات

بل مهنٌ تعقد هدنةً

على القهوة الصباحيّة

من أغرب المِهَن حتّى تلك المُعتادة

حساباتٌ مفلسة في المريء.

لم أعد أصادف أصدقاء في الطريق

في البيت فقط أصادف صُوَر الأصدقاء.

ينظرون بغرابة إلى ذاتهم

لم تردَّ الدين

يطوفون العالم

وهم بعدُ ملتصقون بزجاج الحافلة.

لم أعد أصادف القمر والليل في الطرقات

وسْط الإنارات لا أصادف سهر الله.

في البيت فقط يأتي في الليل القمرْ

مع ولد لا يقول اسمَهْ.

يقلّبان صُوَراً وأوراقاً

ووجوهي تنام على القمرْ.

باسيليس لاذاس


Tuesday 16 March 2010

ردّ وردّ

لقد وصلني إلى البريد الإلكترونيّ رسالة من "صديق" ينتقد ما كتبت بخصوص زيارة تالياذورس التاريخيّة إلى لبنان_ فاتت هيروذُتس وثوكيذيذيس للأسف. فيها بعض العتاب وبعض النصائح وبعض التوضيحات حول الحفلة الآنف ذكرها في المقال السابق. أعتذر عن عدم تمكّني من نشر الرسالة أوّلاً لأنّ المدوّنة لها طابع خاصّ وليست وسيلة إعلاميّة تنشر الأخبار "بموضوعيّة"، وثانياً لأنّ الرسالة طابعها شخصيّ وليست للعموم. لكنّي توخّياً للأمانة وحفاظاً على احترامي الرأي الآخر، أعرض من تلقاء نفسي مضمون الرسالة لا حرفها وأوضّح موقفي إذ أُسيء فهمي وما بلغ قصدي.

مراسلي اعتبر بدايةً انّ في جملة "لا أهمّيّة للحفل حتّى أكتب عنه" إهانة للحفل ومَن وراءه. أوافق على أنّ جملتي ملتبسة جدّاً، وخارج السياق يُساء فهمها. مراسلي فهمها للأسف كالتالي: "لولا المشكلة فإنّ هذه الحفلة تافهة هي وشركتها...". لم أقل هذا، فعدم الأهميّة لا تعني التفاهة بالضرورة، بل تعني أيضاً أنّ الشيء عاديّ ليس له أهمّيّة، ليس فيه ما يلفت. ولم يكن قصدي إهانة ناس لا أعرفهم ولم أكن أعرف أنّ لمراسلي علاقة بهم، بخلاف ما يظنّ هو. لذلك أستبدلها بالتالية "لولا الإعلان الفاقع لا يعدو الحفل بالنسبة لي كونه حفلاً إنشاديّاً عاديّاً لا يستدعي أن أعبّر عن رأيي فيه". مراسلي بسبب جملتي بالصيغة الأولى والإهانة التي ظنّها فيها نبّهني على عدم انسجامي مع "المبادئ" المسيحيّة. الله أعلم.

مراسلي يعتبر أن لا حقّ لي بإعطاء رأيي بالمرتّل في مقال رسميّ، بل بين أصدقائي فقط وإلا يقلّل من شأن المقال ومن شأني. أخالفه في ذلك. وبأيّ حال المدوّنة_ والفايسبوك كذلك_ ليست جريدة، بل هي محلّ خاصّ للتعبير. وفي مدوّنتي سأكتب رأيي الذي أريده في إطار احترام الشخص الآخر لا أكثر ولا أقلّ.

مراسلي يُطلعني أنّ موضوع التفاعل بين الموسيقى البيزنطيّة والموسيقى السريانيّة أثاره الباحث Egon Wellesz. عظيم أنا لم أسأل مَن الذي بدأه أنا قلت إنّ الاهتمام به في لبنان مبنيّ على أساس قوميّ، على البحث عن قوميّة متخيَّلة_ في الوقت الذي ماتت فيه القوميّات إلا في بلدان العالم الثالث (بعد الألف). ومراسلي يبرّئ نفسه من القوميّة وهو أدرى طبعاً. لكنّه مع ذلك يشدّد في كلّ مناسبة على "الموسيقى البيزنطيّة الأنطاكيّة"! وهي عبارة مبهَمة. ويطلب منّي مراجعة أحد مقالاته حيث يقول: "الجدير بالذكر هنا أيضاً وتصديقاً لجميع ما تقدّم، هو أنّ أوزان التراتيل اليونانيّة البيزنطيّة لا ناقة لها ولا جمل بقواعد الشعر اليونانيّ. نستنتج ممّا تقدّم أنّ قواعد الأوزان ساميّة سريانيّة وليست يونانيّة، وتالياً، فهي أقرب إلى العربيّة الساميّة منها إلى اليونانيّة. إنّ النتيجة هذه غاية في الأهميّة إذ تقلب المقاييس وتُسكِت الحجج". فليسمح لي مراسلي أن لا أرى في هذه الجمل سوى قوميّات تتنافس على أساس الأوزان. (وليعلم مراسلي أنّ استنتاجه بخصوص قنداق رومانوس المرنّم لا ينطبق على تسابيح يوحنّا الدمشقيّ مثلاً، فإن تأثّر الأوّل بالسريانيّة وهو محتَمَل فهذا لا يمنع الثاني من نظم أناشيد الميلاد (القانون الثاني) على الوزن الشعريّ المعروف في التراجيديا والكوميديا اليونانيّة القديمة وهو Iambic. على العموم لم أكن أعرف أنّ مراسلي حافظ لأوزان الشعر اليونانيّ القديم وأنا بعد أربع سنوات من دراستها لا أدّعي فيها معرفة. نصيحتي الأخويّة له أن يترك ما لا يعرفه لغيره، وأن يجدّد مراجعه لأنّ الدراسات "تقلب المقاييس وتسكت" بعض الحجج خصوصاً حين يمرّ عليها أكثر من قرن من الزمن).

مراسلي يعطيني انطباعاً_ وقد أكون مخطئاً_ أنّ تحوير الكلام الذي كان يعتمده السفسطائيّون نافع في كلّ حين، وصالح لحفر الحُفَر للآخر. أقول "لم تتمكّن كنيسة أنطاكية من إعادة التموضع في الإطار الكنسيّ السليم البعيد عن "القوميّات" والمفاخرات الوطنيّة البغيضة" ويفهم من ذلك أنّني أتّهم المجمع بهذا الانحراف عن الإطار الكنسيّ السليم. هكذا عموماً ولا يقرأ حصري لعدم التموضع بشيء معيَّن. أوّلاً الكنيسة ليست المجمع وحده ولا العامّة وحدهم. وفي الكنيسة مشكلة الأقلّيّة هي مشكلة الأكثريّة. بمعنى أنّ مصيبة عضو تتسبّب بألم كلّ الجسم. هذا اللاهوت. ماذا نفعل أو نقبله أو نفتح دّكاناً آخر. قلت "وهناك من المطارنة..." وعندي معطياتي لذلك وقد أبلغت المعنيّين بالأمر. ولست مضطرّاً إلى مزيد من التوضيح هنا. أنا لم أعمّم مشكلة بعض المطارنة على كلّ المجمع بل اعتبرت أنّ مشكلة بعض المؤمنين هي همّ كنسيّ عامّ. أن تقوم الدنيا وتقعد عند كلّ انتخاب مطران بسبب جنسيّته هو أكبر دليل على أنّ كنيسة أنطاكية لم تتمكّن بعد من إعادة التموضع في الإطار الكنسيّ السليم البعيد عن القوميّات. ويقول لي إنّ كلمة بغيض "تعدٍّ وقسوة" ولا تجوز حين أتكلّم "مع" مجمعي. من قال له إنّي أتكلّم "مع" مجمعي؟ وأنا قلت إنّ المفاخرات الوطنيّة بغيضة لا فلان ولا علتان من الناس. فليقرأ المقال مرّة ثانية. وليقرأ مقالاتي باليونانيّة ليرى تقديري عمل المجمع وخصوصاً عمل البطريرك. وليسأل عن تعبي في ترجمة ما أمكنني من كتابات مطراني ونشرها في المجلات المختصّة وفي دور النشر اليونانيّة، قبل أن يحاول التلاعب بقصد كلامي ومقاصده.

مراسلي يحاول إضافة إلى استحضار فزّاعة المجمع أن يستحضر مطراني! آسف لأنّه لا يعرف أنّ علاقتي بمطراني هي علاقة صراحة لا مواربة. علاقة بنوّة لا مصلحة. وحين أريد أن أخاطبه في موضوع ما أقوله له بكلّ صراحة واستقامة بلا لفّ ودوران. فحين أتكلّم على أدعياء الهويّة السريانيّة، أنا لا أقصد المطران جورج، لأنّه أوّلاً ليس من "أتباع" قوميّات وهويّات بالمعنى الشعبيّ بخلاف ما فهم مراسلي من مقال المطران الأخير في النهار. أنصحه بمراجعته عوض أن يحاول عكس كلامي وتخويفي بمطراني. أن يكون مسيحيّو أنطاكية من ناحية العرق مجموعات مختلفة هو أمر بديهيّ. أمّا أن يكون الروم سرياناً بحسب الهويّة فهو موضوع يحتاج إلى سحر لبرهانه. ولا يُبرهَن. فالفكر روميّ_ يتضمّن الفكر اليونانيّ القديم_ والطقس روميّ_ يتضمّن بعض المسرح اليونانيّ القديم، واللغة روميّة_ هذه أكثر تعقيداً تتضمّن عند أغلب الآباء اليونانيّة القديمة أكثر من "نَحْوِ" عصرها، لكنّ أفكارها تعكس عصرها. فهل يكون الروم سرياناً بحسب الهويّة؟

مراسلي يعتقد أنّني أتكهّن وأخوِّف الناس من مؤامرات.. لم أخوّف أحداً إلا من منطق الدعاية والإعلان وهذا في الخاتمة. أمّا أن أتساءَل عن المعاني الملتبسة في عبارة مثل أمسية "بيزنطيّة يونانيّة لبنانيّة" فهذا ليس بتخويف ولا بنظريّة مؤامرة_ أساساً لا أومن بالمؤامرات. وأن أقول إنّ الترتيل المتوازي بلغتين أو بنظامين موسيقيّين ليس حواراً فهو أمر بديهيّ ولا يعني أنّي أخاف التماهي. مَن ذكر التماهي أصلاً؟ حوار النظامَين الموسيقيّين يكون على ما أعتقد بمؤتمر مع تحليل وشرح ونماذج تبرهن التفاعل لا بوقوف مؤدّيين على خشبة المسرح جنباً إلى جنب.

مراسلي يعتقد أنّ عندي اعتراض على الاحتفال بهذه الطريقة باتّفاق التقويمَين الغربيّ والشرقيّ. ماذا عساني أقول في استنتاجاته؟ أين ذكرت هذا؟ كيف أجرؤ على هذا وعائلتي فيها موارنة (هذا أمر لا يعرفه مراسلي)؟ ثمّ يدافع عن أسعار التذاكر. هل ذكرت التذاكر أنا؟ ما لي وشؤون الناس ورزقهم. لم أذكر الأمر على الإطلاق ومؤسف أن يبالغ مراسلي في استنتاجاته. لا يهمّني سعر التذاكر ولا أحزن لنجاح الحفل_ على العكس. إعتراضي بكلمتين_ وسأكّرره في ما بعد كذلك_ كان على تسرّب منطق الإعلان والتسويق إلى حياة الكنيسة وعلى استعمال عبارات مبهَمة.

مراسلي يعتبر أنّه يمكنه التكهّن مثلاً أنّي أحارب الكنيسة الأرثوذكسيّة لأنّي أسعى إلى تهريب المشاهدين وبالتالي الإضرار بمدخول الشركة وعدم تمكينها من تغطية التكاليف وبالتالي عدم تقديمها أيّ شيء مجدّداً للكنيسة. أحبّ أن أقول لمراسلي إنّ قرّاء المدوّنة أقلّ من أصابع اليد الواحدة، وكوني وضعت الرابط على الفايسبوك عند قلّة من أصحابي الذين يتعاطون الموسيقى أو المهتمّين بالموضوع لا يعني على الإطلاق_ وأنفي نفياً قاطعاً هذا الكلام_ أنّ نيّتي هي تكبيد شركة يتعب أصحابها في رزقهم أيّ خسائر مادّيّة. هذا ليس من شيمي. لكن حين يقدم الواحد على عمل علنيّ ويقوم بدعاية علنيّة لا يحقّ له طلب انتقادات عبر البريد الشخصيّ فقط_ هذا إن عرفنا أصلاً مَن هو. عليه أن يتوقّع المديح والانتقاد أو النقد لا فرق.

مراسلي يتوهّم على ما يبدو أنّ مقالي يحثّ الناس على عدم الحضور. أنا لم أقل للناس لا أن يحضروا ولا أن يمتنعوا. ولا أظنّ أنّ لي قدرة على ذلك، أو أنّ لي الحقّ لذلك. في حفلة قديمة لجوقة جبل لبنان على مسرح جورج الخامس قاطعت الحركة أو بعض الحركة لا أذكر بسبب بيع تذاكر. أنا وقتها شاركت مع الجوقة في الترتيل. لا أعرف إن كان الشيء نفسه يحدث الآن وليس من شأني أساساً التكلّم على الموضوع المادّيّ. همّي روح الموضوع وهذا ما أختلف فيه مع مراسلي وهو من أسباب ابتعادي عن الجوقة التي جمعتنا إذ لم يكن من مجال لأيّ تغيير. لعلّه لم يفهم أنّي تعاطيت روحيّة المسألة لأنّ كلامي لم يقطر بخوراً وشمعاً كعادة المقالات الروحيّة.

مراسلي يطلب منّي أن ألتزم اختصاصي. وهذا بلا نصيحته ما أنا فاعل. لم أتوسّع في الموسيقى إلى أبعد ممّا أعرف. نظرة بسيطة إلى حجم المقال وتقسيمه_ غير المتوازن لأنّه غير رسميّ_ تكفي ليرى أنّي أفردت للموسيقى بعض الجمل لا أكثر. لكنّ الطريف في الأمر أنّ صاحبي كان يُشرك في الترتيل_ لا أعرف ماذا يفعل الآن_ تلاميذ الموسيقى المبتدئين وأنا مدّة مشاركتي في الجوقة كانت فترة ابتدائي. فدراسة الموسيقى أكملتها في مدرسة أبرشيّة طرابلس مع بعض الدروس في اليونان. فلماذا يقبل أن يتعاطى المبتدئون الترتيل والموسيقى؟ ومنذ متى أصبح مراسلي متخصّصاً في علم الموسيقى؟ وفقه اللغة اليونانيّة وشعرها؟ والأدب السريانيّ وقصائد القدّيس أفرام؟ وإلخ حتّى يحبّر المقالات الطوال؟ وهل هذا يعني أنّه سيرجو الصحافيّين الذين سيغطّون الحفل أن يكتفوا بالحضور والسكوت لأنّهم لا يفقهون الموسيقى البيزنطيّة؟ أم أّنّه سيرحّب بمقالاتهم لأنّهم على الأرجح سيمدحونه ويعظّمون من حضور الناس الحارّ وجوّ الخشوع الملكوتيّ الذي سيخيّم على الحفل؟

مراسلي ينتقدني، في ختام الموعظة على الإنترنت، لأنّي أعتبر أنّ منطق الدعاية والتسويق تغلغل إلى الكنيسة. ويقول إنّ الكنيسة لا علاقة لها بالموضوع. الكنيسة هي المؤمنون، أكانوا أساقفة أم قساوسة أم عوامّ. وكلّنا مسؤولون عن أيّ خلل أو شائبة. صحيح أنّ الشركة هي المنظّمة ولكن هل المنظّمون خطّطوا لحفل متجاهلين انتماءهم الكنسيّ_ أيّاً يكن أرثوذكسيّاً أو سريانيّاً؟ أم أنّ الترتيل فنّ مستقلّ عن الكنيسة؟ منطق التسويق ممتاز في حالة باسيليس تسابروبولُس الذي يبدع باستيحاء جمل أو مقطوعات بيزنطيّة لبيانو. لكنّه_ برأيي، وليُسمَح لي بذلك بلا تحوير واتّهامات مردودة_ مرفوض في الكنيسة، يعني في علاقات المؤمنين ببعضهم. التسويق هو فنّ خداع الإنسان للإنسان. أمّا علاقة المؤمنين فهي سير معاً في درب نموّ في المسيح.

تعبت من الردّ على اتّهامات وتحويرات لكلامي. لكنّ الكاتب "صديق"_ كما ذكّرني_ والذي لم أكن أعلم بعلاقته بالموضوع ولم أكن أنتظر ردّه بالطريقة التي فعل وقد أحرجني واضطرّني على هذا التوضيح المطوَّل حتّى لا يسيء أحد فهم كلامي. أرجو أن يتقبّل اعتذاري حين قدّمته وإصراري على رأيي حين دافعت عنه. مقالي لن يُسحَب عن المدوّنة لأنّي رقيبها ورقابتي على نفسي تغنيني عن رقابة غيري. سأغيّر ما ذكرت أعلاه. وأكرّر رفضي التكهّنات والاستنتاجات والاتّهامات التي وصل إليها مراسلي جملة وتفصيلاً، راجياً للمنظّمين والمراسل النجاح في حفلتهم هذه وعموماً.

Friday 12 March 2010

خاريلاوس تاليادورس في... لبنان

صدفة وقعت على إعلان مهرجان تراتيل بيزنطيّة سريانيّة في لبنان سيجري هذا الشهر.لولا الإعلان الفاقع لا يعدو الحفل بالنسبة لي كونه حفلاً إنشاديّاً عاديّاً لا يستدعي أن أعبّر عن رأيي فيه. لا أعرف من هي الشركة المنظّمة ولا أعرف إن كانت المغالطات في التعابير والألقاب متعمّدة أو هي عن عدم معرفة.


بداية أودّ أن أشير إلى إعجابي بصوت عبير نعمة منذ سمعتها لأوّل مرّة في إحدى أسطوانات جوقة "جبل لبنان". منذ ابتعادي عن جوقة "جبل لبنان" لم أعد أعرف ماذا يجري على صعيد السَلَطات البيزنطيّة السريانيّة في لبنان ولا أعرف تالياً علاقة الفنّانة نعمة بهذا الموضوع. لكنّي ذهبت إلى الكنيسة التي يرتّل فيها تالياذورس عام 2003 بكلّ حماسة لسماعه. وسمعته ومذ ذاك غادرني الفضول لسماعه إلى غير رجعة.

للأسف إنّ المنطلق "القوميّ" هو الذي فتح العيون في لبنان على الاهتمام بتفاعل الموسيقى البيزنطيّة والموسيقى السريانيّة. فمنذ الخلاف بين الإكليروس اليونانيّ والإكليروس العربيّ في بطريركيّة أنطاكية الذي انتهى عام 1898 بانتخاب ملاتيوس الدوماني بطريركاً على أنطاكية لم تتمكّن كنيسة أنطاكية من إعادة التموضع في الإطار الكنسيّ السليم البعيد عن "القوميّات" والمفاخرات الوطنيّة البغيضة. فهناك من لا يزال يعتقد أنّ هناك هيمنة يونانيّة واستقلال عربيّ يجب المحافظة عليه. وهناك من المطارنة مَن يدّعي أنّ في البطريكيّة الأنطاكيّة جناحَين واحد يونانيّ وآخر عربيّ. لكن هناك مَن تطرّف أكثر في أوهامه وراح يبحث عن هويّة سريانيّة محلّيّة لبطريركيّة أنطاكية للروم الأرثوذكس. هذا الموضوع أجاب عليه المؤرّخ أسد رستم في كتابه تاريخ كنسية مدينة الله أنطاكية العظمى ولن أكرّره هنا. لكنّي أكتفي بالإشارة إلى الفرق بين الروميّ واليونانيّ ونحن كروم أرثوذكس لسنا يونان أرثوذكس كما يُشار إلى كنيستنا باللغة الإنكليزيّة أو الفرنسيّة. وهناك مَن يريد تقسيم البطريركيّة الأنطاكيّة إلى اثنتَين لبنانيّة وسوريّة كما حاول الانتداب الفرنسيّ أن يفعل أيّام الأزمة في الثلاثينات..
الوضع مضحك مبكٍ.

وتأتي هذه الحفلة للترويج لبعض هذه الأفكار ولو عن غير قصد. ففي الليلة الأولى أمسية بيزنطيّة يونانيّة لبنانيّة.. ماذا يعني هذا هل المقصود أنّ الأمسية محصورة بالتراتيل البيزنطيّة وسوف تؤدّيها جوقتان واحدة يونانيّة باللغة اليونانيّة وواحدة لبنانيّة باللغة العربيّة؟ وهل هذا الترتيل المتوازي في الليلة التالية يستحقّ أن يُدعى حواراً على أعلى مستوى بين الموسيقى الكنسيّة السريانيّة والموسيقى الكنسيّة البيزنطيّة؟ أمّا بالنسبة إلى الزيارة التاريخيّة لتالياذورس فماذا عساني أقول؟ أرجو أن يبلَّغ المؤرِّخون بحصولها ليدوّنوا التفاصيل. ما الذي يجعل هذه الزيارة تاريخيّة؟ لقد جاء قبل تالياذورس كثيرون مثله وأهمّ. تالياذورس من المرتّلين المهمّين لكنّ النمط الذي يعتمده في الترتيل تخطّاه كاراس وتلاميذه بأبحاثهم. هذا يعني أنّ قيمة تالياذورس هي بمساهمته في تعليم الموسيقى لطلّاب كثيرين_ بينهم أنطاكيّون. وهو بسبب عطائه التعليميّ كلّ هذه السنين يستحقّ التقدير والاحترام. لكن لا يجوز أن نبالغ ونجعله أفضل مرتّل على الإطلاق وفي كلّ العالم الأرثوذكسيّ. المسألة علم وذوق والعلم كما قلت تخطّى تالياذورس وأسلوبه. تالياذورس يحمل لقب "رئيس المرتّلين الأول في كنيسة المسيح العظمى" الآتي من بيزنطية وفخامتها، لكنّ هذا اللقب لا يتمتّع به لوحده. وهذا اللقب غير ما يقول الإعلان عن كونه المرتّل البيزنطيّ الأوّل في العالم. عدا عن أنّ هناك عشرات المرتّلين في اليونان يحملون اللقب عينه بعضهم أهمّ منه على كلّ صعيد.

هذا كلّه دعاية وإعلان لا أعرف كيف وصلت الكنيسة إلى حدّ أن تفتح له المجال للتغلغل إلى أوساطها وامتطاء التقوى الدينيّة السطحيّة لأبنائها وأخذهم إلى اتّجاهات غريبة. أنتظر تعليقات الصحف اللبنانيّة على الحدث ويمكنني من الآن توقّع المديح والثناء لتالياذورس من ... المختصّين.
1

Friday 5 March 2010

Δύο Ρώμες και μια...στον αέρα

Με μεγάλη έκπληξη διάβασα τo ανακοινωθέν του Τμήματος Εξωτερικών Εκκλησιαστικών Σχέσεων του Πατριαρχείου Μόσχας για το πρωτοφανές διεθνές «πολιτιστικό» και «διαφωτιστικό» σχέδιο «Τρεις Ρώμες», που διοργανώνει η Εκκλησία της Ρωσίας αυτή την άνοιξη. Η είδηση δεν μπορεί παρά να προβληματίσει κάθε μέλος της Εκκλησίας σχετικά με την κατάπτωση του εκκλησιολογικού φρονήματος στην μετακομμουνιστική Εκκλησία της Ρωσίας, και την εκκοσμικευμένη πορεία που παίρνει.

Η επικοινωνιακή κατεύθυνση του τίτλου του σχεδίου, δεν περνάει απαρατήρητη. Στοχεύει, φοβούμαι, στη διαστρέβλωση της Ιστορίας και τη δημιουργία λανθασμένων εντυπώσεων σε όσους δεν ξέρουν περί τίνος πρόκειται.

Κατ’ αρχάς ουδέποτε υπήρξε η «δεύτερη» Ρώμη για να υπάρχει και τρίτη. Το φεστιβάλ όμως λέγεται «τρεις» Ρώμες. Ξέραμε για δυο, η τρίτη ποιά είναι, από πότε, και ποιός την έκανε;

Η Κωνσταντινούπολη ονομάστηκε, εκκλησιαστικώς, και Νέα Ρώμη στη Β’ Οικουμενική Σύνοδο, στην επιχειρηματολογία να προηγείται η Εκκλησία της Κωνσταντινουπόλεως των Εκκλησιών Αλεξανδρείας και Αντιοχείας. Στη μια Ρωμαϊκή Αυτοκρατορία δημιουργήθηκε μια νέα πόλη χωρισμένη σαν την Ρώμη σε 14 περιοχές, πράγμα που σημαίνει ότι της έμοιαζε, ότι ήταν πολεοδομικά μια άλλη Ρώμη. Είναι χαρακτηριστικό ότι όταν εγκαταστάθηκαν οι συγκλητικοί στη «Νέα Ρώμη» βρήκαν να τους περιμένουν πανομοιότυπες κατοικίες με αυτές που είχαν στην «παλαιά Ρώμη».

Ο τίτλος Νέα Ρώμη ήταν δικαιολογημένος επίσης, γιατί η Κωνσταντινούπολη έγινε η νέα πρωτεύουσα της ίδιας Ρωμαϊκής Αυτοκρατορίας. Τον καιρό εκείνο ο κόσμος για τους Ρωμαίους πολίτες αποτελούνταν από την Οικουμένη και τους υπόλοιπους λαούς. Πιστεύει κανείς το ίδιο πράγμα σήμερα, που ο κόσμος δεν αναγνωρίζει θεωρητικά καμία αυτοκρατορία; Ή μήπως πιστεύει κανείς ότι ο χριστιανικός κόσμος είναι μια ενιαία αυτοκρατορία με πρωτεύουσα την Μόσχα;

Όμως πέρα από τον τίτλο, οι Οικουμενικές Σύνοδοι έδωσαν και σειρά προνομίων στην Εκκλησία της Νέας Ρώμης, ακριβώς για την πρωτεύουσα σημασία που απέκτησε στον χριστιανικό κόσμο. Προνόμια Ιερά, θεμελιωμένα στη θεολογία της Ορθοδόξου Εκκλησίας, βάσει των οποίων άλλωστε η πρωτόθρονη και Οικουμενική Εκκλησία της Κωνσταντινουπόλεως απέδωσε τα αυτοκέφαλα σε πάλαι ποτέ εκκλησιαστικές της επαρχίες, όπως συνέβη και με την Μόσχα.

Προνόμια που δεν έχει καμία άλλη Ορθόδοξη Εκκλησία, εννοείται ούτε και η Ρωσική η οποία καταλαμβάνει την πέμπτη θέση στα δίπτυχα της Ορθοδοξίας. Άρα μάλλον μάταια μοιάζει η διεκδίκηση του τίτλου της «τρίτης Ρώμης», κατάλοιπο τσαρικών οραματισμών αναβίωσης του Βυζαντίου, και μάλιστα όταν αυτός ο τίτλος δεν πρόκειται να έχει αντίκρισμα – υπό φυσιολογικές συνθήκες τουλάχιστον – σε επίπεδο δικαιωμάτων.

Ας παραμείνουμε όμως στο εξαιρετικά φιλόδοξο, όπως όλα δείχνουν, φεστιβάλ για τις «τρεις Ρώμες»! Ο τίτλος του αναφέρει ότι είναι… διαφωτιστικό! Και αναρωτιέμαι σε ποιό σκοτάδι ζει ο κόσμος και έρχεται αυτή η σπονδυλωτή εκδήλωση, σε Ρώμη, Κωνσταντινούπολη και Μόσχα, για να τον «φωτίσει»; Γνωρίζαμε λανθασμένη Ιστορία και έρχεται μια συναυλία να μας τη διορθώσει, να μας αποκαλύψει την αλήθεια, και να μας βγάλει από το σκοτάδι της πλάνης;

Το σχέδιο, όμως, είναι και πολιτιστικό... Σύμφωνα με το ανακοινωθέν, το Φεστιβάλ τονίζει «την διαδοχικότητα του χριστιανικού πολιτισμού»! Τι σημαίνει άραγε η διαδοχικότητα, και μάλιστα «από την Μόσχα μέχρι την Ρώμη»; Από πότε ο χριστιανισμός έγινε «πολιτισμός»;

Το θέμα είναι πολύ πιο σημαντικό απ’ ό,τι μπορεί να νομίζει κανείς. Η Εκκλησία της Ρωσίας συζητάει με το Βατικανό για τη διοργάνωση του φεστιβάλ, μετά από ασταμάτητες επιθέσεις και κατηγορίες εναντίον του. Από την άλλη απευθύνεται στην Τουρκική Κυβέρνηση για να πραγματοποιήσει την εκδήλωση στην Εκκλησία της Αγ. Ειρήνης. Άραγε εξέφρασε την επιθυμία της και ενημέρωσε για τα σχέδια της το Οικουμενικό Πατριαρχείο ή αρκέστηκε απλά να συνεργαστεί με την Ισλαμική Κυβέρνηση Ερντογάν;

Όλες οι πτυχές του γεγονότος δείχνουν ότι η Εκκλησία της Ρωσίας προσπαθεί να μοιάσει στο Βατικανό. Έχει βάλει στην άκρη την εκκλησιαστική τάξη, η οποία δεν ρυθμίζει εξουσίες αλλά διακονήματα, υιοθετώντας μιαν εξουσιαστική εκκοσμικευμένη αντίληψη. Η αγωνιώδης – και μάλλον καθόλου κεκαλυμμένη πλέον - προσπάθειά της να ηγηθεί των υπολοίπων Ορθοδόξων Εκκλησιών φανερώνει την επιρροή του κατά τ΄ άλλα απεχθούς Βατικανισμού στην ρωσική εκκλησιαστική σκέψη, κυρίως επειδή αυτή η σκέψη τροφοδοτείται από την αριθμητική υπεροχή της και την αίσθηση της πολιτικής δύναμης του «ορθόδοξου» Ρωσικού κράτους.

Η Εκκλησία της Ρωσίας ψάχνει να γίνει religio imperii και ας είναι χωρίς imperium. Η επιμονή της από το 16ο αιώνα μέχρι σήμερα να ονομαστεί «τρίτη Ρώμη», μόνο και μόνο γιατί πιστεύει ότι πληροί τις προϋποθέσεις(!), αποκαλύπτει μια «θρησκειοποίηση του εκκλησιαστικού γεγονότος» για να χρησιμοποιήσω τις λέξεις του Χρήστου Γιανναρά. Δηλαδή, δείχνει να επιζητεί την προοδευτική μετατροπή της σε έναν κοινωνικό οργανισμό. Σε μια Εκκλησία που επιδιώκει να αποκτήσει τα χαρακτηριστικά ενός κρατικού φορέα, να γίνει ένα κέντρο εξουσίας με ολοσέλιδους τίτλους κλπ. Η αναζήτηση τίτλων και η προσπάθεια επιβολής τους με πλάγιους τρόπους δεν είναι τίποτε άλλο από μια ένδειξη βαθιάς εκκοσμίκευσης, η οποία παρακάμπτει όποια γνώμη του Σώματος της καθόλης Εκκλησίας για να επιβάλλει την δική της. Μ’ αυτό απλώς μιμείται τους τρόπους και τους τύπους του κόσμου.

Η Κωνσταντινούπολη έγινε Νέα Ρώμη σε μια Οικουμενική Σύνοδο, η Μόσχα αγωνίζεται να ονομαστεί «τρίτη Ρώμη» μέσω των ΜΜΕ, της χρηματοδότησης της από το Ρωσικό κράτος αλλά και μέσω των έργων του Τσαϊκόφσκυ και του Σεβασμιωτάτου Μητροπολίτη Ιλαρίωνα.

Το φεστιβάλ «Τρεις Ρώμες» είναι η αρχή μιας νέας φάσης στις ρωσικές εκκλησιαστικές σχέσεις, όπου –φοβάμαι πράγματι- εισάγεται στην Εκκλησία ο σωβινισμός, ο εθνοφυλετισμός και τα συναφή. Οι Ρωμαιορθόδοξες – και όχι ελληνορθόδοξες - Εκκλησίες οφείλουν να στηρίξουν τη μαρτυρική Νέα Ρώμη, και συνεπώς την οικουμενικότητα και την καθολικότητα της Ορθοδοξίας.

Είναι τώρα καιρός να διαμηνύσουν με σαφήνεια στην Εκκλησία της Ρωσίας, να εγκαταλείψει τέτοιες ενέργειες που προκαλούν ερωτηματικά για την σκοπιμότητά τους και ενδέχεται να αποτελέσουν την αιτία για τριβές στις διορθόδοξες σχέσεις με μεγάλες και επικίνδυνες συνέπειες στην λειτουργία του Συνοδικού συστήματος.