Sunday 29 April 2018

جبل لبنان وجبل الاستثناءات


تمخّض الجبل فولد فأراً، هو قول مأثور يحضرني مختصراً رأيي بكلّ قرار يصدر عن مجمع الكنيسة الأنطاكيّة الأرثوذكسية منذ سنوات. قد أكون مخطئاً لكنّي من حيث انتمائي الفاعل إلى الكنيسة، ومن واجبي كمؤمن، أعلن رأيي هنا ما دام دور المؤمنين مغيَّباً، وليس من إطار مؤسَّساتيّ يسمح بإبداء الرأي كعلامة إشراك للمؤمنين في الحياة الكنسيّة الذين هم نواتها.
طبعاً لا يستغرب قولي كلّ من يعرف موقفي من الطقم الحاكم وملحقاته الذين يديرون المجمع في هذا الزمن الرديء.  وإذ أعبّر عن رأيي علناً لا أتوهّم تبديلاً في ما يحصل. ليس تعبيري إلا رفضاً بسيطاً ورمزيّاً أن أكون شاهداً متفرّجاً.
لا بدّ أن أحمد الله أنّني لستُ كاهناً ولي حرّيّة الكلام.
أمّا بعد، فقد ظلّت مطرانيّة جبل لبنان تحتضر طيلة سنوات، بدون أن يُبادِر المجمع إلى قرار جريء ينقذها. ولمّا بلغت الأمور إلى ما لم يعد يحتمَل، التأم المجمع ليقرّ بعجزه عن أيّ خطوة تصلح ما يمكن إصلاحه بكثير من العمل والتفاني والصلاة. فخلص إلى أنّ الوضع استثنائيّ في الجبل! إي والله مشكورين على هذه الخلاصة. كنّا عارفين بلا جميلتكم، ما بدها مجمع! لكن، أين الاستثناء الحقيقيّ؟
الاستثناء بدأ في كلّ الكرسيّ الأنطاكي يوم اقتنع المطران خضر بأنّ "المطران الذي في أوروبا الغربيّة"- كما يقول لقبه- يصلح للبطريركيّة وأفتى بجواز تسليمه السدّة بخلاف النظام الداخليّ للمجمع الأنطاكيّ. من وقتها كلّ يوم نُتحَف باستثناء جديد.
الاستثناء المزعوم في جبل لبنان زعم مردود لمن يتوهّمه.
في كلّ الكرسيّ الأنطاكيّ من الوطن إلى المهجر، أليس من يصلح مطراناً على الجبل؟ إذا كان الأساقفة غير كفوئين فليجرّدهم المجمع، بدءاً بمساعدي البطريرك. وإذا كان الأرشمندريتيين غير مستحقّين فليُرَدّوا إلى رتبة الرهبان. وإذا كان معهد اللاهوت لا يمدّ الكنيسة بعناصر تحمل بشارتها فلماذا لا يُضَمّ إلى كلّيّة إدارة الفنادق؟ وليبقَ المجمع ينقّل المطارنة من مطرانيّة إلى أخرى ما أمدّ الله بعمرهم!
لكن يبدو أنّ الزمن البائس هذا يحتاج ناساً كفاءتهم الأساسيّة صلة نسبهم العائلية أو الروحيّة بالحاكم.  لعلّ هذا النسب فقط يخوّل المطارنة من الإرشاد والقيادة والتقديس.
نقل المطران ممنوع في القوانين الكنسيّة منعاً باتّاً، رغم حصوله في مرّاتٍ من غير الجائز استحضارها للمقارنة في هذه الحالة. حين يلتئم المجمع للانتخاب لا يجوز له غير الانتخاب وهو ما لم يحصل في هذه الدورة كما تقول مصادر مطّلعة. بل وفق المصادر نفسها حصل تصويت على قرار نقل المطران الذي في الأرجنتين. وقد اعترض خمسة مطارنة حبّذا لو فرطوا عقد الجلسة بدل الاعتراض على هذه الخطوة.
طيّب ماشي، حصل النقل وصفّقت جماعة المُصفّقين الدائمين. لكن ما يقلقني هو أنّ الشعب المؤمن في الأرجنتين لم يعترض. يخيفني تذكّر المثل القائل: "لو كان في البومة خير لما تركها الصيّاد". لا بدّ أنّهم أيضاً مقرّون بانهيار مطرانيّة الجبل فضحّوا بأسقفهم ومقدّسهم من أجلنا! إي والله أوادم ويُشكَرون على حبّهم لنا نحن المعتّرين في جبل لبنان. لا شكّ أنّ هذا رأيهم، وإلا لما وافقوا على ترك المجمع ينقل مطرانهم بغير سبب جلل! لكانوا أتوا سباحة للتظاهر أمام قاعة المجمع لمنعهم من نقل مطرانهم الى جبل لبنان لولا قناعتهم الراسخة بأنّه منقذنا!
لا أتوقّع من إكليروس الجبل القيام بخطوات اعتراضية على ما حصل، كعدم ذكره في القدّاس، أو التقدّم بطعن في قرار المجمع، إلخ... هنيئاً لهم بمطرانهم الجديد وقد زُفَّ إلى المطرانيّة بسطرين لا تستحقّ أكثر منهما. أتمنّى للجميع دوام التصفيق والتهليل. وأعاننا الله على القادم من الأيّام.