Wednesday 15 July 2009

مسيحيّو العراق والشرق: خواطر


ها هي الديموقراطيّة في العراق قد سلكت في مجراها على أكمل وجه. فليُبلَّغ بوش ورَهطُه بذلك. وليتنعمّوا معاً بحلولها.ا

كلّ إنسان يستفيق صباحاً بصُداع في رأسه أو بألم في رجله يستطيع أن يعبّر عن انزعاجه بقنبلة تحت سيّارة، قرب حَرَم، أو في أيّ مكان يشاء. لكن في الحقيقة هذا لا علاقة له بالديموقراطيّة، هذا من أبواب حرّيّة التعبير التي يحميها، نظريّاً، النظام الديموقراطيّ. وهذا تحديداً نوعاً ليبراليّاً أكثر من اللزوم في حرّيّة التعبير. بالنسبة إليّ مبدأ "إذا زعجك شيلو" مقرف سواء أكان أغنية أم واقعاً. حثّني على هذه الأفكار تفجير الكنائس في العراق. مسيحيّو العراق هم مجموعة أقلّيّات في الأقلّيّة المسيحيّة في الشرق. إنتشار دين أو انحساره يعود قبل كلّ شيء إلى عوامل اجتماعيّة، من جملتها السياسة. هذا بغضّ النظر عمّا تقوله كلّ الأديان عن انتشارها بفضل النِعم الإلهيّة الوفيرة التي يُغدقها الله عليها. الثابت والمتَّفق عليه هو البعد الزمنيّ الملموس. فما يعانيه مسيحيّو العراق اليوم هو نتيجة التقاء خطّين متقاطعين الأوّل هو خطّ التعصّب الذي يعتبر أنّ كلّ من ليس على ديني فهو كافر وبالتالي دمه حلال ما لم يرعوِ عن ضلالته، والخطّ الثاني هو سياسة تقطيع العراق إلى أقاليم، مقاطعات، دويلات، الله أعلم ما قد تكون. أيّ الخطَّين يستفيد من الآخر أكثر لا أعرف المهمّ أنّ ناساً يُقتلون هذا أوّلاً وأنّهم مسيحيّون ثانياً. انطلاقاً من هنا لا يمكن الكلام عن حماية المسيحيّين في الشرق فحسب. لأنّ حمايتهم لا تعني بالضرورة حماية الأقلّيّات الأخرى. الإنسان في الشرق بحاجة إلى حماية. هذا إذا تمّ يُحمى تلقائيّاً المعتقّد والرأي والتعبير وما شابه ذلك. هذا لا يعني الفصل بين الاثنين الإنسان ودينه، بل أقصد به التشديد على جذر المشكلة بغير نسيان فرعها، وهو في هذه الحالة اضطهاد مسيحيّي العراق، وهي تعبير مخفّف للتطهير العنصريّ/ الطائفيّ.ا


هذا "تنظير" على المدى البعيد. على المدى القريب والعاجل أعتقد أنّ المطلوب هو تدخّل رجال الدين من كلّ الطوائف لكبح المخدَّرين بأفيون العنصريّة الدينيّة. هذا من شأنه فصل التقاطع الحاصل بين الخطَّين المذكورَين أعلاه وبالتالي وقف الاضطهاد. أنا بين هلالين من الراجين أن ينقطع يوماً من الأيّام تأثير رجال الدين في عقول الناس، ولكنّ الواقع الآن هو العكس للأسف. وبعد ذلك الأولويّة لمكافحة تقسيم العراق، الجارية على أُسس عرقيّة لا معنى لها بعدما تخطّى الفكر نظريّة القوميّات، والأوطان القوميّة. لا يعنيني تقسيم العراق أو عدمه بشكل مباشر فتقسيم الدول قائم منذ الأزل، المسألة هي كيف يمكن قيام دويلات إن كان من داعٍ لذلك يُكفَل لها شروط داخليّة يُبنى على أساسها حُسن الجوار فلا تتناحر دولتان بسبب أقلّيّات عرقيّة أو دينيّة تعتبر نفسها تابعة للدولة الجار لا للدولة الوطن مثلاً.أ

المأساة المُضافة هي التوهّم بأنّ دول أوروبا وأميركا الشماليّة مسيحيّة وستهبّ لدعم المسيحيّين بما لها من تأثير في السياسة والمال. هذا آخر ما يُقلق قارّتَي الشمال،لا سيّما وأنّ المسيحيّة فيهما في مأزق كبير، وحان لنا أن نُقلِع عن مثل هذا التوهُّم ونعتمد على حلّ مشاكلنا بواقعيّة. وليس هذا فحسب مأساة تُضاف على الواقع بل هناك بعض مَن لم يرتووا من الدماء التي سُكِبَت في لبنان ويكتبون عن الموضوع بعضَ سطور سطحيّة تردّ سبب المشكلة إلى عدم امتلاك مسيحيّي العراق لميليشيا تحميهم ولا لمنطقة مقتَطعة لهم! قبّح الله هذا التحليل، الذي انتهى بسحر ساحر إلى رفع الصلاة. هذا النصّ يدلّ على أنّ صاحبه لم يتنبّه بعد إلى أنّ الكتابة على الإنترنت هي أشبه بالسكن في بيت من زجاج يعرّض أهله لكلّ العيون. ممّا يعني أنّ هذا النصّ قابل للالتباس، وقد يزيد الطين بلّة. والحاجة الآن وأبداً هي إلى نصوص عقلانيّة هادئة.ا

أكتفي بهذا الآن.ا

اللوحة: بول غوغان "مَن أين نأتي؟"ا

No comments: