Monday, 6 June 2016

المجمع الأرثوذكسيّ الكبير: تشتّت روسيا ومن يتبعها


     في السادس عشر من الشهر الجاري، من المقرَّر عقد مجمع كبير للكنيسة الأرثوذكسيّة. تعود فكرة إعداد هذا المجمع إلى ما يزيد على القرن، تحديداً إلى عام 1902. في تلك السنة أرسل البطريرك المسكونيّ يواكيم الثالث رسالة إلى البطاركة ورؤساء الكنائس استعرض فيها وضع الكنيسة الأرثوذكسيّة وطرح فكرة عقد مجمع عامّ. طبعاً استثنى بطريركيّة أنطاكية من بين المُرسَل إليهم- لأنّه قد جرى انتخاب بطريرك "محلّيّ" لا "يونانيّ" بتحريض ودعم من الروس ولم تكن قد اعترفت به معظم الكنائس وقتها.
     أثناء هذه السنين الطوال اجتمع رؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة كما ومندوبوهم عشرات المرّات للتحضير للمجمع الكبير. إلى أن تقرّر عقده في جزيرة كريت كما قلت أعلاه. لكنّ الأمور الآن في اللحظات الأخيرة أتت بتطوّرات مفاجئة ولا تصبّ في صالح المبادِرين بها.
     استفاق بطريرك روسيا في 31 أيّار الفائت على موضوع مهمّ، بل الأهمّ بالنسبة لكلّ أرثوذكسيّ في العالم- والمجرّة: كيف سيجلس في القاعة؟ بلا مزاح. أبدى اعتراضه على كيفيّة جلوس المشاركين. لا يريد جلوس المشاركين في صفَّين متقابلَين، بل بشكل نصف دائريّ. إعترض أيضاً على إجلاس المراقبين من الكنائس الأخرى خلف الأرثوذكس طالباً أن يكونوا في مكان آخر. إعترض أيضاً لأنّ رؤساء الكنائس لن يجلسوا متلاصقين- يعني لا يمكنه أن يتندّر قليلاً مع بطريرك أو اثنين حين يضجر. بالنسبة للموضوع الأوّل أنا أقترح عليه أن يأتي بمهندسين روس ليصنعوا منصّة تتبدّل مواقع كراسيها بشكل مستمرّ. وبالنسبة للموضوع الثاني يمكن أن نقول للمراقبين: قفوا في الزاوية على رجل واحدة ويديكم إلى أعلى. أمّا الحلّ بالنسبة للموضوع الثالث هو أن يعلّمه أحد مساعديه كيف يصنع صواريخ ورقيّة ليكتب عليها إملاءاته لبعض البطاركة الآخرين.  
     بعد يوم واحد من مأزق توزيع الكراسي، أي في 1 حزيران، انتفض من غفوته بطريرك بلغاريا وتذكّر أنّ هناك نصوصاً بحاجة إلى مشاورة وتدارس أكثر. بعد مئة عام من التدارس، وبعد وضع توقيعه على عدد من هذه النصوص ارتأى أنّ هناك ما لا يعجبه فيها. طيّب، شو كان ناطر ما بيحكي كلّ هالدهر؟ فجأة تقمّص يوحنّا الذهبيّ الفم؟ فليكن! من بين كلّ الكنائس حضرته وحده انتبه إلى أنّ بعض النصوص مش ماشي حالها؟ ولم يعطِ تسويغاً لتوقيعه على بعضها، ولا على صحوته المباغِتة.
     وكما هي العادة بكلّ عرس إلنا قرص! فقد صدر بتاريخ 1 حزيران أيضاً- لكن نُشِر في 2 حزيران!- بيان عن "أمانة سرّ" بطريركيّة أنطاكية العظمى- النعت يتبع أنطاكية منعاً لسوء الفهم، لا سمح الله. المجمع الأنطاكيّ أبقى اجتماعاته مفتوحة لمستجدّات التحضير للمجمع الكبير. بارك الله بهذه الهمّة! بناء على أيّ جلسة مجمعيّة صدر البيان؟ ألم يكن غريباً أصلاً اتّخاذ قرار بإبقاء الجلسات مفتوحة؟ أليس هذا وسيلة تتيح إصدار مثل هذه البيانات؟
     المطلب هو حلّ موضوع أبرشيّة قطر قبل المجمع الكبير. بالمختصر، قطر أبرشيّة أسّسها في عصرنا بطريرك أورشليم. وفي القرون الأولى كانت تابعة لبطريرك أورشليم. في أعمال المجمع المسكونيّ الرابع هذا الأمر واضح، كما أنّه واضح في مؤلَّف William Beveridge المنشور في أكسفورد عام 1672. يعني لا قديماً ولا حديثاً كان لأنطاكية أيّ علاقة بقطر أو بكلّ الجزيرة العربيّة. بطريرك القدس أوضح هذا الأمر بالأدلّة التاريخيّة الدامغة. أمّا بطريركيّة أنطاكية فلم تقدّم أيّ دليل يثبت أنّ لها حقّاً بالمطالبة بقطر وباقي الجزيرة. عنصر اللغة، أو العرق، أو اللون أو أيّ شيء مشابه لا مكان له في الكنيسة. لا يمكن المطالبة بقطر فقط لأنّ قطر بلد عربيّ. وإلّا فلتطالب أنطاكية بأبرشية في كلّ من الصومال وجيبوتي العربيّتين.
     موضوع قطر بالمناسبة، بناءً على كلام مرجع كنسيّ موثوق، طلبت بطريركيّة أنطاكية تركه إلى ما بعد المجمع الكبير. لم يقرّر البطريرك المسكونيّ تأجيله من تلقاء نفسه. أنطاكية طلبت والبطريرك المسكونيّ وافق وعمل على تحقيق الطلب. وأصلاً إنّ الكنيسة الأنطاكيّة بخلاف بيان مجمعها المنشور في 27 أيّار موافقة على المشاركة وقد دفعت لهذه الغاية الأموال المترتّبة على مشاركتها واختارت أعضاء وفدها وكلّ الباقي. فماذا تبدّل حتى تعلن "أمانة السرّ" أنّ المجمع الأنطاكيّ "سيلتئم في الأيّام القليلة القادمة للنظر في المستجدّات الخاصّة بالمجمع الكبير والبتّ فيها"؟
     حتّى تكتمل الحلقة كان لا بدّ للكلمة النهائيّة أن تكون للممثّل الأساس: كنيسة روسيا. هذه أتت بنظريّة جديدة، تقول إنّه بتغيّب أيّ كنيسة يتعذّر إجراء المجمع. هذا يخالف ما تمّ الاتّفاق عليه سابقاً أثناء الإعداد للمجمع الكبير.
     من كلّ ما سبق يبدو أنّ روسيا تريد إلغاء المجمع بأيّ ثمن. عقدة روسيا لا علاج لها. منذ مئة سنة، وأثناء مشاركتها في المباحثات التي أفضت إلى اتّفاقيّة سايكس بيكو وموسكو تحاول السيطرة على العالم الأرثوذكسيّ مطالبة بقلبه أي القسطنطينيّة. شاركت موسكو في مفاوضات سايكس بيكو لكنّ البلاشفة أخلّوا بالتّفاق ونشروه عام 1917. وهكذا نجت القسطنطينيّة وآسيا الصغرى من السيطرة الروسيّة. لم تكتفِ روسيا بهذا، بل عملت قبل الاتّفاق على دعم إنشاء كنائس محلّيّة على أساس العرق أو اللغة لكنّ هذا لم يفدها بشيء. حاولت حشر البطريركيّة المسكونيّة وإلى الآن لم تنجح في إضعافها ولا في لعب دورها المسكونيّ على الصعيدَين الدينيّ والدهريّ. حلم موسكو الذي لن يتحقّق هو أن تصبح روما الثالثة. وفي سعيها إلى تحقيق هذا الحلم تسخّر الحلال والحرام.
المصيبة هي أنّ أنطاكية اليوم تساهم في مساعدة موسكو. الأخيرة لم تفِد أنطاكية يوماً ولن تفيدها. المطلوب من أنطاكية ومن البطريركيّات القديمة في الشرق أن تتساند وتدعم موقف البطريركيّة المسكونيّة نظراً لموقعها الكنسيّ في لاهوتنا ونظراً لأهمّيّتها على صعيد تثبيت الأقلّيّات الدينيّة- والمسيحيّون منها- في الشرق. أنطاكية جعلت روسيا بطريركيّة وعليها أن تحافظ على دورها التوجيهيّ لكنيسة روسيا لا العكس.
     المجمع الكبير لا بدّ من عقده، لا لشيء سوى لأنّه ضرورة لتوحيد كلمة الكنيسة الأرثوذكسيّة حول مواضيع مهمّة والتأسيس لحياة جديدة للكنيسة الأرثوذكسيّة تكون فيها الكنائس الأرثوذكسيّة صوتاً واحداً.
     
     أضع هذه السطور أعلاه برسم مطراني، المطران جورج خضر، لأنّ المجمع الكبير ونصوصه أيضاً من ثمار لاهوته وطهر قلبه وارتفاع نجواه بلا انقطاع إلى نهضة الكنيسة، واتّكالي عليه في تصويب الموقف الأنطاكيّ.

1 comment:

Mike HOURANY said...

على من تقرأ مزاميرك يا داود؟