Saturday 31 December 2011

بين لبنان واليونان.. خواطر في واقع العلاقة الثقافيّة

تتوقف العلاقات الثقافية بين الشعوب على رغبتها ووعيها أهمية هذا النوع من العلاقات. بين لبنان واليونان من التاريخ أكثر مما بينهما من الحاضر. فالبَلَدان_ كيفما كانا في ما مضى_ قد ارتبطا وثيقاً وتبادلا العلوم والمعارف بينهما. واستمر تواصل الشعبين حتى العصر العثماني. فمثلاً بعد الثورة اليونانية على العثمانيين تواصل معهم يوسف بك كرم ليدعموا انتفاضاته.
لكن حتى تنشأ العلاقات بين شعبين يفترض أولاً أن يَعِيا كلٌّ قيمةَ حضارته وحضارة الآخر. بخلاف ذلك لا علاقات ثقافية تقوم. وعي الذات يقود إلى إدراك ما يميّز الواحد عن الآخر وما يجمعه به وكيف يتواصلان متى شاءا. عندئذ يستطيع الواحد الانفتاح على الآخر. في هذا المقام يحسن تذكر القول "فاقد الشيء لا يعطيه".
إضافة إلى ذلك يجب أن تتوفر رغبة الانفتاح على الآخر والإقرار بأهمية الأخير في مسيرة كلا الطرفين إلى النمو. هذا الأمر يصعب فهمه في بلدان تشربت بؤس الشوفينية وقلة الوعي.
لو سألني امرؤ عن بلدي وما أخبرته إلا عن شجر الأرز وصحن التبّولة والحمّص، لدل هذا على جهلي بلبنان وحضارته. ولو تنطّحت لأعرّف أحداً على بلدي عبر الحمّص والتبّولة ألن يسخر منّي؟
العلاقات الثقافيّة بين اليونان ولبنان شبه معدومة اليوم. لا شيء يُذكَر في هذا المجال لولا مبادرات فرديّة يقوم بها بعض الأشخاص وعلى رأسهم أستاذة الأدب العربيّ في جامعة أثينا السيّدة إيليني كونذيلي، إضافة إلى دور نشر تهتمّ بنشر ما تيسّر لها من أدب اللبنانيّين وخصوصاً الكاتبين في لغات أجنبيّة كجبران ومعلوف وستيتيّة إلخ. يجب أن أستثني في هذا المجال مبادرة رسميّة مهمّة قام بها قنصل لبنان الفخريّ في باترا السيّد غسّان غندور الذي دعم نشر ترجمة ديوان محمود درويش "حالة حصار" الصادر عن دار نشر رياض الريّس في بيروت إضافة إلى بناء حضانتي أطفال في مدينة باترا وغير ذلك من الأمور التي تبيّض صفحة لبنان على مسنوى دعم العلم ودورها.
المشكلة أنّ تعاطي الثقافة ونشرها يتطلّبان علماً وجهداً ودعماً ليس متوفّراً. ورغم عراقة لبنان وتنوّع عناصر ثقافته، فإنّه لا يسهل إبراز أيّ منها في اليونان في ظلّ غياب أيّ إطار حاضن لهذا الأمر. طبعاً لا يخفى على أحد أنّ أطباق التبّولة والحمّص معروفة جدّاً ولكن حان وقت الالتفات إلى ما هو أكثر جدّيّة. كلّ ما اجتمع لبنانيّان في اليونان ليقرّرا مشروعاً "ثقافيّاً" ينتهيان إلى دعوة الناس إلى عشاء مع "رقّاصة"..
لقد تكرّمت دولة اليونان منذ عقود بإعطاء منح دراسيّة لطلاب لبنانيّين في مختلف المجالات العلميّة. واليونان اليوم لا تزال رغم التضييق عليها تتابع تعليم لبنانيّين على نفقتها. هذا يدلّ على أنّ اليونان تهتمّ وتصبو إلى توطيد العلاقات الثقافيّة والعلميّة مع لبنان. ولكن أين لبنان من هذا؟ وأين اللبنانيّين المقيمين في اليونان من الاستفادة من محبّة اليونانيّين لبلادهم؟
أعتقد أنّ الوقت قد حان ليتطلّع لبنان الرسميّ إلى الانفتاح ثقافيّاً على دولة مثل اليونان، ويفعل ما يستنسبه في هذا المجال. وأن ينشط اللبنانيّون عموماً في ما يزيد على تنظيم عشاء وخصوصاً في بلد تربطه ببلدهم عصور من الثقافة والعلم.

1 comment:

Entrümpelung said...

شكراً كتييييييير ع الموضوع .. :)