صباح اليوم، في كنيسة القدّيسة أولغا في أثينا، ألقى العظة الصديق اللاهوتيّ والموثّق التاريخيّ معتصم تقلا، وذلك بناء على طلب كاهن الرعيّة الأب بندلايمون كفوري. وكانت التوبة محور العظة التي نوردها أدناه.
هذا الأحدُ الخامس من آحاد الصوم، هو أحدُ القدّيسة مريمَ المصريّة. حيث اتّخذت الكنيسةُ، قصّتها كرمزٍ للتوبة. إذ قد صارت مريمُ المصريّةُ علماً من أعلام التوبة والقداسة بعد أن كانت رمزاً للعهر والفجور. لِذا، دُعيَ الأحدُ الخامسُ من آحاد الصوم بأحدِ التوبة. وهدفُ الكنيسةِ من ذلكَ، تعليمُنا أنّ التوبة بمقدرةِ كُلِّ إنسانٍ، مهما عظُمت خطاياهُ، وفاضت آثامُهُ. وأنَّ التوبة لا زمن لها، فزمنُها يبدأُ برجوع الإنسان إلى الله، كما رجِع الإبن الضال إلى أبيه، بحسب ما يعلمنا
الأنجيل المقدّس. فما هي التوبة إذاً؟ وعن ماذا نتوب؟ ولماذا نتوب؟
الحقيقة يا أحبّاء أننا نعيش في عالمٍ يسود فيه حب السلطةِ والمجد، حبُّ المالِ وتَبَوُّؤُ المجالس، حب الأنا و فيض الكراهية. هذا العالم، هو عالم السقوط، حيث العيش في غربةٍ، بعيداً عن الحضرة الإلهيّة. هذا العالم، صار لنا، بعد الخطيئة الجديّة، خطيئة آدم وحواء، حيث قبلَها- أي قبل الخطيئة الجديّة- كان الأنسان يعيش في الفردوس الإلهي، حيث التواضع، المحبة، العفة والطهارة، السلام، والفرح الإلهي. هذا الفردوس الإلهي، خسره الإنسان، بمعصيته للمشيئة الإلهيّة.
لكن المحبة الإلهيّة لم تشأ هلاك الإنسان، فمنّ الله علينا بنعمة التوبة، وهي السعي الجاد في الابتعاد عن كل رذائل هذا العالم: الزنى والفحشاء، البغض والكراهية، شبقُ الأنا، وعشق المجد الباطل. التوبة هي طريقنا الوحيد نحو الملكوت الإلهي، الملكوت الذي لايزول، السعادة الأبديّة التي لا يعقبها زوال، كالذي يعقب حياتنا الأرضيّة. فمن يتذكّر الموت يا أحباء يدرك أن عالمنا هذا عالم وقتيّ، وأن كلّ ما فيه هو وقتيّ وينتهي في لحظةٍ ما، في طرفة عين، في وقتٍ لا نعلم متى يطلب منا الرحيل، دون أن نأخذ معنا شيئا. فلو نظرنا وتأملنا القبر قليلاً، هذا المكان الذي يساوي السيّد مع العبد، القوي مع الضعيف، الغني مع الفقير، هذا المكان الذي يبيّن لنا وحشيّة التغرّب عن الله، عندما نصبح جميعنا مأكلا لدود الجوف، سنعرف حينها أننا نركض وراء سراب هذا العالم الماديّ. هذا، ما خبِرَه وعرِفَه الابن الضالّ فقال: أتوب وأرجع إلى أبي...ولمّا عاد إلى أبيه، ألبسه الحلّة البيضاء، وجعل خاتماً في إصبعه، وذبح له العِجلَ المثمّن. فما الحلّة البيضاء إلاّ نور السعادة الإلهيّة وما الخاتم إلاّ رمز سيادة البنوّة التي لا تزول، وما العجل المثمّن إلاّ عدم الجوع، فالخبز يصبح الفرح السماويّ.
فالحقيقة يا أحباء، ما ينقصنا هو العودة إلى الحضرة الإلهيّة، كما فعل الابن الضال، كي نتنعّم بالفرح الإلهي، كأبناء حقيقيّن لله، وهذا هو هدف التوبة، الحصول على الخلاص من لدن الله، ولا يحصل هذا بترداد الصلوات أو حفظها، بل بالعمل الدؤوب على ضبط شهواتنا، فكرياً وجسديّاً مقرنين كل أعمالِنا بالصوم والصلاة، فيتحقّق فعل التوبة فينا. وتصبح توبتُنا الطريق المؤدية بنا نحو الخلاص. وما الطريق للخلاص إلاّ تدمير الخطيئة، وتهشيم جوانح الأهواء. فكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "التوبة هي الدواء الذي يدمر الخطيئة. انها عطية سماوية".
"التوبة تفتح ابواب السماء تأخذ الانسان الى الفردوس تتجاوز الشيطان وأعماله".
لذا دعونا يا أحباء نسلك جميعا طريق التوبة هذا، دون ان نقول قد تأخرنا فكلّنا مدعوّون إلى التوبة وفي أي وقت. نعمة ربنا يسوع المسيح فَلْتحفَظْنا جميعا سالمين من حبائك الشرير، آمين.
No comments:
Post a Comment